شبكة قدس الإخبارية

ما بين رمضان 2021 و2022.. ما الذي اختلف في الساحة الفلسطينية؟ 

276176100_1507999419595428_1597697065576130046_n
نداء بسومي

فلسطين المحتلة - خاص شبكة قُدس: يطرق رمضان 2022 أبوابه بإرهاصات شبيهة بتلك التي كانت العام الماضي، وسط تقديرات بتصعيد محتمل في الأراضي الفلسطينية، خاصة في ظل تصاعد ملحوظ لوتيرة المقاومة والعمليات الفردية في الضفة الغربية، وإضراب واسع يستعد له الأسرى في 25 مارس الحالي، ولقاءات مسؤولين عرب مع الاحتلال لخفض التوتر الحالي، ومنع أي مواجهة قادمة. 

وبينما يستعد الفلسطينيون لإحياء شهر رمضان هذا العام، تعود بهم الذاكرة قليلًا إلى رمضان 2021، المليء بالأحداث الساخنة في كل فلسطين التاريخية، في باب العامود وحي الشيخ جراح، وهبة الكرامة في فلسطين المحتلة عام 48، ومعركة سيف القدس التي خاضتها المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة بعد الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة في العاصمة المقدسة، فما الذي اختلف خلال عام في الساحة الفلسطينية؟  

القدس: صاعق الانفجار 

كانت مدينة القدس بحي الشيخ جراح وهبة باب العامود، العنوان الرئيسي في رمضان 2021، وعليه اشتعلت ميادين المواجهة في بقية المدن، وعلى المناطق الحدودية مع فلسطين التاريخية. 

في حديثه لـ "شبكة قدس"، يشير الكاتب ساهر غزاوي إلى أن الجديد هذا العام على المقدسيين تحديدًا هو تولّد شعور معنوي بأنهم ليسوا لوحدهم في ميدان الدفاع عن حرمة المسجد الأقصى المبارك خاصة وعن مدينة القدس المحتلة عامة.

ويضيف: "هناك تغيرات كبيرة طرأت في رمضان الماضي في التحديات التي واجهها المقدسيون، أهمها دخول المقاومة في غزة على خط المواجهة في 28 رمضان، واندلاع هبة الكرامة في مناطق الداخل المحتل عام 1948، وكذلك في مناطق الضفة واشتعالها انتصارًا للمسجد الأقصى والشيخ جراح. هذا الشعور المعنوي جعلهم أكثر اطمئنانًا واستعدادًا لمواجهة التحديات المقبلة في شهر رمضان".

ويرى غزاوي أن المقدسيين خاصة والفلسطينيين عامة، تعززت في نفوسهم "ثقافة الانتصار"، من خلال جولات الصمود والثبات أمام سلسلة من التحديات وانتصارهم في معركة صراع الإرادات، والعزيمة والإصرار على حقهم في المسجد الأقصى والقدس. 

وحول تعامل الاحتلال مع القدس، يعزي غزاوي طبيعة حكومة الاحتلال الحالية التي يترأسها نفتالي بينيت، إلى دعمها بكل قوتها للاقتحامات وتدنيس المسجد الأقصى، موضحًا: لا تستطيع حكومة الاحتلال إلا أن تدعم الاقتحامات، وتهيئ لها الأجواء وإلا فخطر تفكيك حكومة الائتلاف "متعددة الرؤوس" والمتباينة أيديولوجيًا وسياسيًا يتهددها.

على غرار غزاوي، يصف الكاتب والباحث خالد عودة الله القدس، بـ "الصاعق لكل جبهات المواجهة"، وأن القارئ لأحداث ما يجري في القدس، يعلم أن هناك تصعيدا قادما ومحاولة لاستباق أي حالة شعبية من خلال القمع، ومن خلال مجموعة من الإجراءات الكابحة الناعمة لامتصاص الغضب عبر كثير من الإجراءات، إلى جانب وجود تصعيد فلسطيني.

هبة الكرامة في الداخل المحتل

في أيار 2021، اندلعت مواجهات في المدن الفلسطينية المحتلة عام 1948 والتي تسكنها جماعات من المستوطنين تحميهم قوات الاحتلال، واعتقل على إثرها مئات الشباب الفلسطيني المنتفض، كما وشهد الداخل الفلسطيني المحتل "إضراب الكرامة" الذي اتسعت رقعته إلى فلسطين التاريخية كاملة، في وحدة فلسطينية لم تشهدها القضية الفلسطينية منذ عقود. 

في هذا السياق، يؤكد عودة الله في حديثه لـ "شبكة قدس" أن تفاعلات هبة أيار الفائت ما زالت محسوسة حتى اللحظة، مبيّنًا: "على الصعيد الميداني الشعبي، هناك مئات المعتقلين، وما زالت هناك تضييقات ومحاكمات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى من المؤكد أننا باستطاعتنا لمس تأثير الهبة على الوعي والخطاب والرؤية".

أما على المستوى القيادة العربية في الداخل الفلسطيني المحتل، يقول عودة الله إنها "على الخندق المضاد، فبعد الهبة رأينا ظاهرة منصور عباس، والتي يجب أخذها بعين الاعتبار، كيف أمكن لشخصية أن تتجرأ وتكون حليفة للمستعمرين من الصهاينة في مشروعهم الاستعماري ضدنا؟".

ويرى الكاتب عودة الله أن ما يجري في النقب هو امتداد لهبة أيار، مشددًا على أن الهبات الشعبية يتجاوز أثرها مداها الزمني المباشر، بل تستمر آثارها تتشكل على صعيد الوعي لفترات طويلة، موضحًا: "لم نكن ننظر لما يجري في النقب على أنه جزء أساسي في صراعنا، بل عانى من تهميش مقصود أو غير مقصود، إلا أنه وبعد هبة الكرامة، رأينا عودة إلى أساسيات الصراع، وأن هناك صراعا مع مستعمرين صهاينة وأصحاب البلاد، وأن الصراع بينهما عنوانه الأساسي الأرض".

ويلفت عودة الله إلى أننا أمام بداية عملية تاريخية، يرى فيها الفلسطينيون إعادة تشكيل وعيهم من خلال المواجهة الميدانية وليس الخطاب فحسب. 

قطاع غزة: معركة سيف القدس 

في 10 أيار 2021، بدأت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة معركة سيف القدس مع الاحتلال، والتي ثبتت فيها معادلة غزة- القدس، مدفوعة بالهبة المشتعلة في شوارع الضفة والقدس وفلسطين المحتلة. 

الكاتب إبراهيم المدهون يقول إن المقاومة الفلسطينية استطاعت أن تعزز معادلات جديدة في الصراع، بعد رمضان 2021، ونجحت في أن تخطو خطوة إلى الأمام نحو تعزيز التحدي الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي. حتى بات الاحتلال يدرك أن للفلسطينيين شوكة يمكن أن تدميه وأن تقف في وجهه.

ويشير المدهون في حديثه لـ "شبكة قدس" إلى أن الاحتلال الإسرائيلي حاول بعد معركة سيف القدس الالتفاف على نتائجها وعلى انتصار الفلسطينيين ميدانيًا، من خلال محاولة تشديد الحصار ومحاولات منع الإعمار، وإن عاد أحيانًا أمام تلويح المقاومة باستئناف الصواريخ.

ويستدرك المدهون في حديثه: "الواقع المعيشي في قطاع غزة صعب بسبب التضييق والحصار، هناك عشرات الآلاف من الشباب والخريجين يعانون البطالة، ولا يسمح للقطاع بالتجارة والتصدير والاستيراد إلا وفق شروط معقدة جدًا، وهناك عقابٌ جماعي لأن أهل القطاع اختاروا طريق مقاومة الاحتلال".

الضفة الغربية: تصاعد العمليات الفردية 

من جانبه، يقرأ الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي تحولات مهمةً ما بين رمضان 2021 و 2022، وفي أصعدة عدة، والتي يمكن تلخيصها في تصاعد حالة المقاومة في الضفة الغربية، وانحسار شعبية السلطة الفلسطينية، واللطمة التي تعرضت لها موجة التطبيع بعد معركة سيف القدس، ودلالات معركة سيف القدس المهمة، وانكشاف الدعاية الإسرائيلية والقدرات الأمنية والعسكرية.

على الصعيد الداخلي، يقول عرابي، في حديثه لـ "شبكة قدس"، إن شعبية السلطة تراجعت إلى حدٍ كبير بعد موقفها السلبي في معركة سيف القدس، وإلغائها للانتخابات التشريعية، ومجموعة من الحوادث التي حصلت مثل مقتل الناشط نزار بنات، وصفقة اللقاحات الفاسدة، وتراجع قدرة السلطة الاقتصادية، وطبيعة الاتصالات بين قيادات السلطة والاحتلال الإسرائيلي، في حين تصاعدت شعبية المقاومة في الساحة الفلسطينية سيما بعد معركة سيف القدس، والهتاف برموزها في كل مكان.

أما على صعيد المواجهة مع الاحتلال، يرى عرابي أن معركة سيف القدس مثلت رافعة معنوية لدى الفلسطينيين، حيث أوجدت حالة تأهب كفاحي ونضالي موجود في القدس والضفة الغربية، وتصاعدت عمليات إطلاق النار، وعادت ظاهرة المطاردين، وأصبحت هناك بؤر تمرد على الاحتلال أو السلطة، وتجددت عمليات الطعن.

مع ذلك، يستدرك الكاتب والمحلل السياسي حديثه بالقول: "لكن لا يمكن أن نتحدث عن تحول ضخم في الساحة الفلسطينية، ما زالت حالة الجمود السياسي موجودة، وما يسمى بالانقسام ما يزال موجودا وقائما، وحالة الحصار على قطاع غزة، ما تزال موجودة وقائمة، والإقليم العربي ما يزال يدير ظهره للفلسطينيين، أي أن هناك حالة جمود تنعكس بشكل سلبي على القضية الفلسطينية". 

حكومة الاحتلال بمنظور مختلف

الخبير في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة يشير إلى أن معهد دراسات الأمن القومي في تقريره الاستراتيجي الأخير، اعتبر التهديد الفلسطيني أحد التهديدات الاستراتيجية على دولة الكيان، وعلى هوية المشروع الصهيوني، وهذا دليل كافٍ على أن "إسرائيل" ما زالت تعتبر القضية الفلسطينية واحدًا من أهم التهديدات لها.

ويضيف هلسة، في حديثه لـ "شبكة قدس": "إن حكومة الاحتلال تتعاطى وفق رؤية أن الفلسطيني عدو، وتتعامل معه وفق رؤية واستراتيجية وتستخدم ضده أدوات ووسائل تستخدمها مع عدو، ولا ترى في الفلسطيني شريكًا ولا صديقًا محتملا، في حين أن الفلسطيني ما زال يوهم نفسه بإمكانية فتح قنوات سياسية للحوار والوصول إلى حل مع الاحتلال".

"الذي تغير أيضًا، النظام السياسي لدى الاحتلال، منذ رمضان الماضي، وصلت حكومة نتنياهو إلى نهايتها، وتدير الدفة الآن الحكومة اليمنية بامتياز على رأسها أقصى اليمين الإسرائيلي، وإن كان في داخلها بعض المركبات لما يسمى بقايا اليسار أو حتى كتلة عربية، لكن حكومة الاحتلال الآن هي حكومة اليمين"، يوضح هلسة. 

وبحسب الخبير في الشأن الإسرائيلي فإن "الحكومة الجديدة لا تعترف بالمواربة والتلميح وإنما الصراحة: لا دولة للفلسطينيين ولا مسار سياسي ولا حلول، إنما أقصى ما يمكن أن تقدمه للفلسطينيين هو السلام الاقتصادي مقابل الأمن، وهذا الوضوح من القضية الفلسطينية برمتها ومن القدس تحديدا لم يعد يترك بعض الأوهام بأي مسار سياسي يفضي إلى حل".

ويتابع: "هذا الوضوح في المواقف، أدى إلى تسارع في آلية التنفيذ في حكومة الاحتلال، وتسارعت وتيرة الاستيطان، وبدا واضحًا فرض السيادة المباشرة الكاملة على مدينة القدس ومحاولات محو الهوية الفلسطينية منها".

 

#القدس #الضفة #المقاومة #عمليات #الشيخ_جراح